تطور الصراعات بسبب الأشخاص وليس المؤسسات   Leave a comment

إن تأملت يوماً عزيزى القارىء طبيعة الصراعات العسكرية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم ستلحظ أن سباق التسلح منذ اختراع القوس والسهم وحتى النووى والهيدروجينى يلحق ببعضه لكنها مسألة وقت.. فمنذ أربع مائة سنة مثلاً لم تكن تملك البندقية سوى بعض الإمبراطوريات المتقدمة بينما كان أرقى ما يملكه الباقون حربة أو سيف أو شومة صعيدى. ومنذ مائة سنة كان الجميع يملك البندقية لكن الطائرة كانت هى أحدث صيحة. ثم أصبح بإمكان الجميع تصنيع طائرات بدائية “بخشبتين أبلكاش ومحرك” لكن التميز صار لمن يملك طائرات شبح أو دبابات أو غواصات أو صواريخ وهكذا

ولأن هذا التقدم يتكلف أموالاً طائلة وجهوداً جبارة ققد يكون مبَرراً بالنسبة لدولة يتفوق عليها خصومها فتسعى لاهثة لتلحق بهم، لكن من العسير فهمه لدولة متقدمة بالفعل وشبه متيقنة من أن أى تطور ستصل اليه ستحلق به عدوتها اللدود خلال شهور كما حدث فى الصراع المحموم بين الألمان والإنجليز فى الحرب العالمية الأولى مثلاً.. فكان هؤلاء يخترعون قاذفة اللهب فيخترع أولئك الدبابة، ويأتى هؤلاء بطائرة رباعية الأجنحة فيرد أولئك بتصميم طائرة سداسية الأجنحة وهلم جرة! لكن خطأ التساؤل يكمن فى النظر للدول بوصفها كيان متوحد وليس كأفراد.. فالحقيقة أن بداخل كل دولة هناك مؤسسات تحاول الحصول على المال والنفوذ والسمعة على حساب المؤسسات الأخرى، وبداخل تلك المؤسسات أيضاً أفراد يتنافسون للحصول على ترقيات وعلاوات وجوائز على حساب زملاءهم، فهدف تلك القرارات على المستوى الفردى فى الواقع ليس خدمة قضية الدولة بأكملها، بل هدفها هو إرضاء مَن فوقهم والحصول على إعجاب من تحتهم وإثارة غيرة أقرانهم

أما إن فرضنا الحياد الشخصى وعاملنا كل دولة على أنها وحدة متوحدة فالذى كان سيحدث حتماً هو اجتماع لرؤساء تلك الأمم المتناحرة باستفتاح أحدهم للجلسة قائلاً للباقين: “شوفوا بقى يا معلمين بصراحة العبارة كده.. احنا هانصرف دم قلبنا عشان نخترع حاجة هتكونوا انتم وصلتم للأنقح منها خلال شهر بكتيره، والنتيجة خراب مستعجل على الكل والميزانية مخرومة خلقة وانتوا عارفين البير وغطاه.. فخلينا عاقلين أحسن ونكمل الحرب بالأسلحة الموجودة منغير تطوير لحد ما حد يهت الباقيين ويكسب. وماحدش بقى يطلع عيّل و يعمل لنا بلوة جديدة كل شوية وإلا قسماً عظماً لانكون كلنا مبستكين عليه!”

وبنغس المنطق يمكننا فهم أسباب قيام دولةٍ ما بإطلاق تصريحات نارية مبهمة إزاء قضية معينة، فكثيراً ما تتراوح تلك التصريحات من كونها كلاما فارغا لا قيمة له (كتصريحات السيدة هِلَرى كلِنتُن التى تُجسد المثل البلدى “هابلة ومسكوها طبلة”) إلى كونها تسىء للبلد وتظهرها بشكل “بق على الفاضى” (كتصريحات ضاحى خلفان رئيس شرطة دبى). لكن ما أن تفكر فى الموضوع من منظور أن قائل هذا التصريح هو مسؤول معين بوزارة معينة “وليس أمريكا شخصياً أو دُبى شخصياً” وأن هذا المسؤول يريد تبييض وجهه أمام رؤساؤه ومرؤوسيه بإظهار بلده بشكل “شرس” أمام العالم فستبدو لك فجأة تلك التصريحات عادية جداً بل وسوف تستغرب إن لم يتم اطلاقها من وقت لآخر.. وإلا فكيف يحلل الساسة راتباتهم؟

وأحياناً يصدر تصريح أو قرار لا معنى له أيضاً من هيئة أو مجموعة كبيرة لا لشىء إلا لأن أحدهم اقترحه واستحى الباقون من الاعتراض عليه، فعندما تقرأ أن هيئة اتحاد الفنانين أو نقابة الموسيقيين مثلاً قررت منع مغنية معينة من الأداء فى مصر بسبب قيامها بفعل خادش للحياء قد يتبادر إلى ذهنك أسئلة خادشة للحياء هى الأخرى أولها “أمال الباقيين بيعملوا ايه إن شاء الله؟؟”، لكن ما أن تفكر بأن هكذا قرار تم اتخاذه نظراً لاستحياء الباقون من الإعتراض عليه كى لا يظهروا بمظهر السلبية أو الإنحلال (بالإضافة لطرد هذه الفنانة من سوق المنافسة!) تفهم أنه لا يعبر عن “الفنانين” أو “الموسيقيين” ككل بل عمن اقترحه فقط وأن بروزه كان حتمياً. ومن الأمثلة كذلك على المستوى السياسى تشديد العقوبات على جريمةٍ ما رغم عدم تناسبها مع محدودية الجريمة، هنا نجد أن أعضاء المجلس التشريعى استحوا من الاعتراض على اقتراح زميلهم كى لا يظهروا بمظهر الضعف والتساهل رغم أن رأيهم قد يكون مخالفاً لما يقول، و”تأثير القطيع” هذا يُعتبر من أكبر مشاكل اتخاذ القرارات على المستوى الجماعى

كانت هذه بعض الخواطر عن دور الفرد فى اتخاذ القرارت المؤدية لتفاقم الصراع على مستوى الجماعة، وفى المقال المقبل سنتطرق لبعض الوسائل التى يسلكها المتصارعون لتفادى المواجهة المباشرة مع الخصم

حسام حربى – مدونة «أَبْصِرْ»
https://ubser.wordpress.com

Posted جوان 2, 2012 by حسام حربى in صراع

أضف تعليق